Saturday, February 7, 2009

ورحل الملاك




السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

كلماتى فى هذا الموضوع كله مسخره لوصف ذلك الملاك الطاهر.
الملاك الذى أكمل رسالته فى ما يقرب من عشرين عاماً ورحل إلى العالم الآخر
ذلك الملاك .. لا أدرى أقولها بكل حزن لفراقه وغيابه عنا
.. أم بكل فخر لأنها كانت
أختى ورفيقتى وأنيسة وحدتى




هديــــل
****



قبل سنوات
يناير 2005

تدخل حبيبتى هديل المنزل حاملة أوراقا كثيرة ،لم أعبأ بذلك ولكن دخلت وراءها أختى الصغيرة عندما لا حظتها قد أغلقت باب الغرفة وجلست تكتب شيئاً ما ،

إيه ده؟""

الوصية الشرعية""

تحاول هديل إبعاد الورقة عنها ولكن أختى بمحاولاتها استطاعت رؤية ما تكتب


هديل انتى بتعملى إيه ؟""

بكتب وصيتى""

وبينما تقرأ أختى ما تكتبه هديل تضحك جداً مما تقرأه

( أنا على 3 جنيه لصحبتى ....متنسوش من بعد موتى تعطوهالها

( متنسوش عمو ... يمشى فى جنازتى

وكتبى اتبرعوا بيها لــ) ....

واتبرعوا بجزء من هدومى لــ) ....

والموبايل كمان) ....



ومتزعلوش على خالص أكتر من 3 أيام بس متنسونيش وابقوا تعالوا زورونى وادعولى
واقرأولى قرآن من السور اللى بحبها

(البقرة المؤمنون يس طه مريم


وسامحونى لو كنت عملت حاجه زعلتكم ..احنا كلنا بشر وكلنا بنغلط وربنا بيسامح ..)

تتابع أختى قراءة الوصية إلى أن أبعدتها هديل فى مكتبة المنزل وأغلقت عليها


وهنا بدأت هديل فى العمل ولكن ليس كأى عمل ..كانت تحدد نواياها دائماً همها إرضاء الله عز وجل فقط


بالنسبه لدراستها .. لم تقصر فيها يوماً منذ صغرها وهى مشهود لها بالتفوق دائماً.. واصلت تفوها فى الكلية فكانت من المتميزات دائماً

كانت تأخذ بيدى أنا وبقية أخواتى ولا أنكر أنها من أهم الأسباب التى جذبتنا جميعاً لدخول الطب وذلك بعد فضل الله سبحانه وتعالى

لم تتخل عنى أبداً ..فى ليالى الامتحانات كانت دائماً بجوارى ،تمسح دموعى بابتسامتها الهادئه ..مجرد أن أراها أشعر أن هم كبير انزاح من فوق أعتابى

أذكر ليلة امتحان التشريح فى العام الأول لى فى الكليه وكانت هى فى هذا اليوم عائدة من امتحان الفارما النظرى وكان لديها امتحان صباح الغد ولكنها آثرت منفعتى على مصالحها وجلست معى ..وتكرر الموقف بعدها كثيراً حتى أنى كنت دائماً ما أقول لها
(جهزيلى نفسك ليلة امتحان الباثولوجى بقى ..)

ولم أكن أعرف أنه ربما أستيقظ فى أى يوم لأجد القدر قد سبقنا إليها ..لتتركنى وحدى وكأن لسان حالها يقول ها قد آن الآوان لتعتمدى على نفسك من دونى





كانت تهتم بى أنا وأختى الصغيرة ..ليس دراسياً فقط بل دينياً وخلقياً ..وكانت تحرص على ملابسى كحرصها على ملابسها ..
أذكر وأنا فى مقتبل دراستى الجامعيه ..قالت لى

إيه رأيك نروح مكتبة فياض ؟""

"ليه ؟"

"هجيبلك إسدال .."

"هلبسه"

"لو عجبك البسيه وأكيد هيعجبك إن شاء الله"

واشتريناه ولبسته وكان شكلى جميل وهيا كانت سعيده للغايه وقالتلى

( على فكره ده أقرب للبس الصحابيات فالبسيه وانتى مفتخره






كانت كل يوم جمعة تذهب للصلاة فى مسجد بعيد شيئاً ما عن منزلنا

كانت تقنعنى دائماً أن أذهب معها وأنا كنت مقتنعه أن صلاتى فى المنزل أفضل ولكن هذا الاقتناع كان نابعاً من حبى للجلوس فى المنزل لا أكثر

أقنعتنى يوم بالذهاب معها وأخذتنى وكانت سعيده جدا لا أعرف ما سر كل هذه السعاده

كانت تفرح بى وبأخواتى أكثر من نفسها ويومها أرهقنى المشوار وقلت لها

"إيه ده يا هديل ..يعنى لازم المسجد ده ما فيه مساجد كتير ماليه البلد"

"أنا بحبه لأن بدايتى كانت فيه"

وتركتها تذهب وحدها كل أسبوع لتضئ الطريق بنورها وتشهد لها كل ذرة تراب خطت أقدامها عليها





هديل بالنسه للأسرة كانت الزهرة الندية العطرة التى ربما فى أحلك الأزمات تأتى هى بابتسامتها الهادئه وتطمئنا بالفرج بإذن الله

كانت حبيبة أبى ..معه فى كل المواقف تقف بجواره فى أى مناسية ..حقا كان يفتخر بها ..كان يفتخر بتلك الفتاة ذات القلب الأبيض الذى جذب قلوب الناس فى بلدها من الصغير إلى الكبير

كانت الأمل القادم والفجر الآتى ..كانت تعد أبى دائماً بأنها ستكمل مشواره الاجتماعى وستبقى على الاتصال بمعارفه ..وستوالى نشاطات أبى من مسابقات ودورات مختلفة ينظمها



واصلت مشوارها فى الكليه بطموح ثاقب ومع كل عام يأتى تتعلق وتنجذب لتخصص معين كان أملها أن تصبح طبيبه نساء وتوليد حتى تعف النساء المسلمات وحضرت فى أولى سنوات دراستها عمليات للنساء والتوليد .. لتتمكن من ذلك المجال إلى أن تدرسه

ولكنها بدأت بالتفكيرفى مجالات أخرى إلى أن انتهى بها المطاف وهى فى السنه الخامسه بعد دراستها للباطنه فأحبت تخصص القلب جدا.



فى الكليه لم تكن كأى طالبه بالعكس كانت دائما تقول

"أنا لازم أعمل حاجه خير أساعد وأخدم بيها الناس كلها وأنا فى عز شبابى كده لو معملتش الوقتى هعمل إمتى؟؟"

منذ أن دخلت بوابه الكليه وهى تبحث عن مكان طيب تجد فيه صحبه صالحه وتنقلت من مكان لآخر تتعرف على هذه وتصادق هذه وتقدم الخدمه لهذه إلى أن التقت فى السنه الثالثه بصحبة من أجمل ما يكن ..اتفقن على تكوين أسرة بسيطه بدأت بهن وازداد العدد تدريجياً استطعن من خلالها إيصال أفكار عما يجب أن يكون عليه الشباب المسلم دينياً وخلقياً ...وفعلاً كان تأثيرها كبير جداً على الكثيرين..

وتوالت نشاطاتها فى الأسره وكانت لا تألو جهدا أن تقدم الخدمة لأى أحد حتى لو اضطرها ذلك أن تضحى بوقتها أو جهدها أو حتى مالها


قبل عام واحد2008

تدخل هديل المنزل والحزن يطغى على وجهها والدموع تملأ عينيها

( فيه إيه يا هديل خير

"دينا صحبتى ماتت"

تأثرنا كثيراً بوفاتها ولكن تأثر هديل اختلف تماماً
..لم يكن تأثر إنسانة عادية بل كان تأثر من تشعر أنها ستودعنا هى الأخرى ومن سيختارها الله العام المقبل ..
وهنا كتبت هديل كلماتها فى رثاء دينا صديقتها


"""حبيبتى لو عدتى الينا اليوم لتقولى لنا ولو كلمه ...ماذا ستقولى ؟؟؟كلمه شوق أم وداع أم ماذا ؟ رحلتى الى رب غفور رحيم فأخبريتى كيف السؤال ؟؟؟كيف الحساب ؟؟؟نعم رب غفور رحيم ولكن غرنى عفوه وحلمه فكيف اجيب عن سؤاله وانا لم أفكر يوما فى مراقبته لى ؟؟اعيش وسط اهلى,, اصحابى ,,دراستى,, امتحانتى ,,مستقبلى ...ونسيت اليوم الذى ستسقط فيه ورقتى ...اليوم الذى سيزورنى فيه زائر الموت بلا استئذان ليقطع حبل حياتى واحلامى اصبحت الان اشعر انه يدق على بابى يقول لى لا تشيحى بوجهك عنى حينما تذكرينى لاتهربى كثيرا فانى ملاحقك ..حبيبتى أخبرينى ..هل اظل احلم بحياتى أم أقطع التفكير وأستعد ليوم الرحيل ؟؟؟"





ورحل الملاك

فمنذ أيام قليله رحلت كاتبة تلك الكلمات

تلك الجميله الطاهره العفيفه
أختى وحبيبتى وروحى وسندى وعونى

يوم الثلاثاء 27 يناير 2009


رحلت على الإسلام رحلت على الإيمان والطاعه والتضحيه
رحلت على غيرتها الشديده على دينها
وحزنها الجارف على شهداء المسلمين الذين يودعون الدنيا بالآلاف فى غزه

فى الصباح الباكر وهى ذاهبه إلى كليتها فى عجلة غريبة كانت تسابق الوقت لتذهب إلى أجلها هى ومعظم من كان معها فى الميكروباص

فقط أذكر أنها كانت جميلة جداً فى هذا اليوم وجهها منير ومشرق ومبتسم وهى تودعنى لتذهب إلى
الكليه حتى أنى قلت لها


( انتى عسوله كده ليه النهارده

قالتلى "ما أنا عسوله علطول"

وقفت أمام المرآه كثيراً وكأنها كانت تعد نفسها للقاء الرحمن

**
ليتنى أخذتك فى أحضانى قبل أن تغادرى المنزل
ولكنى اكتفيت بالسلام فقط
سامحينى لم أكن أعلم أنك لن تعودى ثانية وتجلسى معى وتمتعينى بصوتك وحنانك وعطفك




حبيبتى لا تحزنى منى إذا بكيت عليك..فإن لم تسقط دموعى فى رحيلك ؟؟فى رحيل من تسقط ؟

فقد أطفأت الشمعه التى كانت تنير ظلام منزلنا البسيط وبقى طيفك فى أرجاء البيت يخلد ذكراكِ فى كل ركن

حبيبتى ذهبت مع من كنت تحبينهم
أحبابك شهداء غزه
اللذين كنت تعدين لهم الزياره فى معهد ناصر ليلة وفاتك

ياااه كم أنى أغبطك على تلك النهايه الجميلة حاملة مصحفك فى السيارة إلى أن بقيت أصابع يدك على ذلك الوضع وضع حاملة المصحف حتى تبعثى على ذلك يوم القيامه بإذن الله

لا تخافى حبيبتى سنكمل مسيرتك وندعو لك ونقرأ لك من السور التى تحبينها

وفعلاً بدأنا وذهبت الأسرة لمعهد ناصر لزيارة المرضى والذى كنت تعدين لزيارته

أنا وصديقاتى سنسير على جدول حفظ القرآن الذى أعددتيه لنا قبل رحيلك بأيام

كلماتك ونصائحك لن أنساها أبدا وسأحاول بقدر جهدى أن أكون بعون كل من كنت تعينيه ..أعرف أننى لن أقدر على فعل ما كنت تقومى به ..ولكن سأحاول ولو بالقليل


رؤياك لا تفارقنا جميعها فى المنام كلها رؤى عظيمه راقية لا تصلح إلا لك أنت يا ملاك
**

هديل حبيبتى سأظل أنتظر لقاءنا
لا تنسينا معك فى الجنة أنا وأخواتى وأمى وأبى



أختك
4 فبراير 2009