Thursday, April 28, 2011

مهر الحرية




انقطع حبل الوداد والوصال بينهما ، قست عليهما الأيام، ووشا بينهما الفساق ، دائماً ما كانت تعانده فى كل شئ ،أخلص لها ،غدرت به مراراً،ما كان أمامه سوى الرحيل ، سافر بعيداً،لعله يجد فى البعد ما ينسيه ، بات يُشغل نفسه فى عمله حتى لا يُذكره الفراغ بها .

لم يتحمل أن تمر الأيام عليه دون أن يسأل عن أخبارها ،من الأصدقاء ،الجيران ،الأهل، فى كل مكالمة معهم يختم بالسؤال
"كيف حالها الآن؟!"
فما كان الجواب بالشافى
"لا زالت كما هى مثلما تركتها"

تمر السنوات وتنقضى الأيام ،
كم عانى من مرارة الغربة بعيداً عنها
،كم تألم كثيراً عند فراقها ،

كانت محبوبته الأولى منذ أن عرف هذه الحياة ،قضيا معاً أحلى الأوقات يتضاحكان ويتسامران ،يوماً على شاطئ النيل ..يوماً بجوار الهرم على ظهر الجمال ..يوماً على شاطئ الإسكندرية ينشدان ألحان الغرام .. يوماً من أيام الربيع يجلسان تحت ظلال النخيل فى إحدى القرى الريفية البسيطة.

كم بات ليالٍ طوال يردد اسمها ،

يذكر أنه أول اسم يعلُق فى ذهنه بعد (ماما وبابا)

أول ما خط قلمه شعراً كان فى حبها ، أول ما تعانقت ريشته مع ألوانه كان فى رسم أجمل صورة لها.

لم تشأ الأيام أن تنسيه ذكرياته المرة معها ،فكانت دائما العلة الوحيدة التى يحتج بها لنفسه إذا ألحت عليه بالعودة ،
يتحسر على أيامه التى قضاها فى حضنها دون جدوى فما زادت هذه الأيام عليه سوى هماً وكمدا.


يلوم نفسه على حبه لها الذى كلفه ما لا يطيق ،فلم يسلم يوماً من الحاقدين الذين لا يكادوا يسمعوه مغازلاً فيها ، مدافعاً عنها، إلا وينقضوا عليه ،فهم يرون أنهم الأحق بها ،هم الأقوى ،هم الأغنى ،لهم الحق فى أن يصحبوها ،يجالسوها وفى النهاية يسرقوها !! .

يهاتفه صديقه "حال محبوبتك ليس بالحال الطيب ،،فكر فى العودة يا صديقى".

تراوده مشاعر الحنين بين اللحظة والأخرى ،هل ستأخذه الجرأة يوماً ويعود إليها؟!
،صوت داخلى يدفعه لكى ينسى الماضى ويبدأ صفحة جديدة ،ولكن كرامته تأبى ذلك .

تمر الأيام فتزيده شوقاً ،يراها فى صباحه ومسائه ،
فى يقظته ومنامه ،

تتعالى الأصوات فى الأرجاء من هنا وهناك ،فى كل ركن حوله ،أهله ..أصدقاؤه ..جيرانه .. الكل يدعوه ليعود ..

"اخرج أيها الأبله من معتقلك هذا ،اخرج لمعشوقتك ،عد إليها ،لا تتركها بين أنياب الذئاب فهى لا تستحق سواك ولن تجد مثلك فى رجولته وشهامته" ،

صدره يتمزق ،كرامته تدعوه ألا يعود وحبه إليها يسبق كل شئ .

ولكن عندما يحين ميعاد اللقاء لا تستطيع قوة أن تحول بينهما ،الآن فقط أيقن أن كرامته فى العودة إليها ،كرامته فى الانتقام من الوشاة وليس الانتقام منها .

أخذ القرار ، عاد إليها تحمله أشواقه قبل أقدامه ،قلبه ينتفض، وذهنه يمتلئ بتساؤلات لا يجد لها جواباً ،يا ترى كيف سيكون اللقاء بعد هذه الغيبة الطويلة؟

ما حالها الآن ؟ ماذا سأفعل معها ؟
هل أنا ظلمتها بحق كما قالوا لى ؟
هل كانت مغصوبة على قرار رحيلنا ؟!
لو كان هكذا ،فتباً لكم أيها الوشاة !

عند وصوله رأى ما لم يره من قبل، الملايين تجمعوا على أرضها يهتفون باسمها ،اسم محبوبته الغالية ،لم يصدق نفسه
"كل هذا الجمع جاء ليدافع عنها ويعيدنى إليها، هل كنت مخطئاً حقاً حينما تركتها طيلة هذه السنوات ؟!،
لمَ لم أقف بجوارها وأساندها بدلا من أن أتخذ هذا القرار الأعوج ؟!،
رحلت هرباً من قسوة الأيام علينا ،تركتها فى أصعب الأوقات التى كانت تحتاج لى فيها وبشدة ،فيالى من نذل جبان !"

يواسيه من حوله "هدئ من روعك ،فالوقت الحقيقى هو الآن ،إذا كنت تريدها بصدق فيدك بأيدينا "

يخترق الصفوف ،يبحث عنها يريد أن يراها، ينادى بصوت عال





"أين أنت يا حبيبتى ،أنا قادم ،لن أتركك بعد الآن ،عودى لى ولا تخافى "
تمنى لو طار بجناحين ليراها بأقصى سرعة ،

جالت صورتها بخاطره وتراءت أمام عينيه ،كانت حزينة ،تبكى بدموع طاهرة بريئة،وكأنها تريد أن تخبره أنها مظلومة .

يسمع صدى اسمها تطلقه الأفواه فيجوب الساحات ،


تملأه الغيرة وتسيطر عليه ،


فينادى بأعلى صوت "لا ..إنها معشوقتى وحدى ،ملكى أنا "


يصرخ والدمع يفيض من عينيه،


"كم سهرنا ليال سوياً تحت أضواء القمر نشكو همومنا ،كم ضاقت علينا الأيام فما كانت تشعر سوى بيدى تربت على كتفها ،لكن شاءت الأقدار أن نفترق،فتركتها وحيدة فى أيدى الجبناء،ويا ليتنى ما فعلت"

يحمل صورتها فى قلبه ،
صورتها التى يحلُم أن يراها بها

،
وهى مبتسمة فرحة مهللهة مكبرة،

صورتها بثوب زفافها الأبيض الأنيق


وهى مرفوعة الرأس شامخة متباهية بجمالها بين قريناتها ،

يتذكر هؤلاء الذين فرقوا بينه وبينها ،هؤلاء كانوا السبب فى إبعاده عنها سنوات طوال ،تمنى لو يراهم واحداً واحداً ليقطعهم إرباً وينتقم منهم جميعاً.

تأخذه الحماسة ،
يصيح وسط الجموع ،يهتف معه الملايين ،

"ستعودى لى يا حبيبتى ،
أعدك سأكون بجوارك فى أى وقت وفى كل وقت، لن أخونك أبداً ،لن أبخل عليك بدمى ، بمالى ، بروحى،..."

لم يتركه الوشاة ،
رأوه من بعيد ،
تهامسوا
"هذا عشيقها الولهان !!"،

انطلقت سهامهم الغادرة لتصيب قلبه الطاهر البرئ ،برصاصة فاجرة ،

تسيل دماؤه لتكسو جسده النحيل،
أيقن أنها النهاية ،
أخذ ينظر فى وجوه من أمامه لعله يراها ،
تمنى لو كانت أمامه ليسمعها آخر كلمات نطق بها،قبل أن تصعد روحه الطاهرة النقية إلى السماء ...
"هذا برهان حبى لكِ،هذا مهرى إليكِ، عسى أن تسامحينى ، وداعاً يا حبيبتى ..يا أمى ويا بلدى ،وداعأ يا مـــصـــر .... "

تمتـــ

Sunday, April 3, 2011

دراستى رقم ١.. والسياسة بعد كده




التفتت إلينا أنظار العالم بعد الثورة، نحن شباب مصر، الكل يتعجب كيف استطاع هؤلاء القيام بمثل تلك الثورة العظيمة؟!، حتى نحن انبهرنا بذلك وازدادت ثقتنا بأنفسنا تغيرت أفكارنا، وأصبحنا نبدى آراءنا فى كل شىء يحدث فى البلد، حتى الشباب الذى لم يكن يهتم كثيرا بالسياسة - وأنا منهم - لم يتهاون لحظة منذ اندلاع الثورة فى معرفة أخبار ما يحدث على الساحة السياسية।


كل ذلك شىء جميل نرحب به جميعاً، فما أجمل أن نشعر بأننا أصبحنا المحرك الرئيسى لكل تغيير فى بلدنا।


لكن ما يحزننى وما أخشى استمراره - ناهيك عما يحدث على الصعيدين السياسى والأمنى - تلك الفوضى التى تجتاح العملية التعليمية فى الجامعات المختلفة من تسيب الأساتذة فى الشرح أثناء المحاضرات والسكاشن العملية، وأيضاً تقصير الطلبة فى الحضور وانشغالهم بالثأر لأنفسهم من أى ظلم تعرضوا له طيلة السنوات السابقة من قبل رؤساء الجامعات أو العمداء ورؤساء الأقسام، وحديثهم عن القضايا السياسية أكثر من اللازم داخل الحرم الجامعى، وتقصيرهم فى الواجب الأساسى، الذى يذهبون للجامعة كل يوم من أجله وهو الدراسة।



سأحكى لكم عن موقفى أنا شخصياً، وتضررى من ذلك الأمر، أنا طالبة فى بكالوريوس الطب، وكما تعلمون الدراسة عندنا شاقة جداً، وتحتاج إلى جهد متواصل، وتدريب عملى مستمر، كان من المفترض أن أدرس تخصص القلب والأوعية الدموية قبل إجازة نصف العام الماضية، الوقت المخصص لنا لدراسة ذلك التخصص ثلاثة أسابيع فقط!॥ ثلاثة أسابيع لدراسة أمراض الضغط، والذبحة الصدرية، وفشل القلب، وعمليات القسطرة، وتوسيع الشرايين وغيرها، أعرف أنكم لن تصدقونى إذا أخبرتكم بأنى لم أمسك بالسماعة حتى الآن لسماع دقات قلب مريض تخيلوا! المدة تشارف على الانتهاء وبعدها سأنهى علاقتى بذلك التخصص لأنتقل لتخصص آخر، وهو الجلدية فى ثلاثة أسابيع أخرى।


ما السبب فى ذلك؟ المحاضرات العملية المخصصة لنا للأسف بعد الثورة معظمها تحول إلى مناقشات سياسية، آخرها كانت أمس عندما أخذ الأستاذ يحادثنا عن قضايا الفساد، التى كانت ومازالت تحدث فى البلاد طيلة ما يقرب من ثلاث ساعات كاملة! ونحن كذلك - خاصة التابعين لأحزاب من زملائنا - كنا نفتح معه أبواباً مختلفة للحوار، فانتقلنا من ذلك إلى الدستور والاستفتاء والانتخابات المقبلة، وكأننا سكرنا بالسياسة فلم ندر بأنفسنا إلا بعد أن تخطينا الوقت المخصص للمحاضرة!!



تكرر ذلك الموقف فى أكثر من محاضرة سابقة عندما دخل علينا أحد الأساتذة ومعه حقيبة قال لنا إنها مملوءة بشكاوى قضايا الفساد، التى تعرض لها أثناء عمله، وإنه ذاهب بها للعميد، وأخذ يعرضها علينا، وكان متسرعاً جداً ومشتتاً أثناء الشرح، واعتذر عن عدم تطبيق الشرح العملى لنا، لانشغاله بتلك الأمور، وأيضا استحوذ على موضوع المحاضرة الحديث عن ملفات الفساد وأحوال البلاد، وانحصر الشرح فى ربع ساعة فقط، هو ما ناله الطلبة من معلومات دراسية!



عندما حادثت صديقاتى فى هذا الموضوع بعضهن وافقنى، لكنهن قلن لى: «هى بس الأيام دى علشان ظروف الثورة والأمور هتهدأ بعد كده وترجع لطبيعتها»، ولكن أنا لا أعتقد ذلك، تداعيات الثورة ستظل سنوات، وكل يوم هناك أمور جديدة تنشغل بها العقول، أنا لست ضد ذلك، أنا ضد تحويل دور العلم إلى مناقشات سياسية।



البلد مثلما يحتاج لسياسة سليمة كى يتقدم॥ فهو يحتاج أيضاً لعلم نافع.. لعقول مستنيرة.. ومثلما أخلصنا فى واجبنا السياسى أشد الإخلاص وما زلنا نخلص، لم يكن من المعقول أبداً ألاّ نخلص فى الواجب الأساسى، الذى كلفنا به، وهو العلم والدراسة.. فإلى متى سنظل هكذا؟ إلى أن يرسب الطالب هذا العام، وتكون حجته انشغاله أو انشغال أستاذه بالسياسة، هل من المعقول أن أتخرج كطبيبة، وعندما يأتى لى مريض أقول له: «معلش مش هقدر أكشف عليك أصل كنا مشغولين بالسياسة وما أخدناش المرض ده»।



أذكر ليلة انتصار الثورة يوم الحادى عشر من فبراير عندما أقسم الجميع فى كل بيت॥ القسم المصرى الشهير، وكان فيه «أقسم بالله العظيم أن أؤدى عملى بكل ضمير..»।



سهيله الجابرى



نشر بجريدة المصرى اليوم



وأيضا موقع بص وطل