
مريم ..طفلة ..مشهد قتل فى أحد الأفلام
تبكى..تصرخ..
"بابا بابا ... دم دم"
بابا يضحك
"لا تخافى يا حبيبتى ،إنه بالطبع غير حقيقى"
****
بابا، مشاهد قتل الثوار
يبكى ..يصرخ
دم ..دم !!
مريم تضحك
"لماذا تبكى يا أبى ، إنه بالطبع غير حقيقى "
!!!!!
تمتــــــ
إن الحَمامَ ينوحُ من ألم النوَى ..وأنا أنوحُ مخافةَ الرحمن
التفتت إلينا أنظار العالم بعد الثورة، نحن شباب مصر، الكل يتعجب كيف استطاع هؤلاء القيام بمثل تلك الثورة العظيمة؟!، حتى نحن انبهرنا بذلك وازدادت ثقتنا بأنفسنا تغيرت أفكارنا، وأصبحنا نبدى آراءنا فى كل شىء يحدث فى البلد، حتى الشباب الذى لم يكن يهتم كثيرا بالسياسة - وأنا منهم - لم يتهاون لحظة منذ اندلاع الثورة فى معرفة أخبار ما يحدث على الساحة السياسية।
كل ذلك شىء جميل نرحب به جميعاً، فما أجمل أن نشعر بأننا أصبحنا المحرك الرئيسى لكل تغيير فى بلدنا।
لكن ما يحزننى وما أخشى استمراره - ناهيك عما يحدث على الصعيدين السياسى والأمنى - تلك الفوضى التى تجتاح العملية التعليمية فى الجامعات المختلفة من تسيب الأساتذة فى الشرح أثناء المحاضرات والسكاشن العملية، وأيضاً تقصير الطلبة فى الحضور وانشغالهم بالثأر لأنفسهم من أى ظلم تعرضوا له طيلة السنوات السابقة من قبل رؤساء الجامعات أو العمداء ورؤساء الأقسام، وحديثهم عن القضايا السياسية أكثر من اللازم داخل الحرم الجامعى، وتقصيرهم فى الواجب الأساسى، الذى يذهبون للجامعة كل يوم من أجله وهو الدراسة।
سأحكى لكم عن موقفى أنا شخصياً، وتضررى من ذلك الأمر، أنا طالبة فى بكالوريوس الطب، وكما تعلمون الدراسة عندنا شاقة جداً، وتحتاج إلى جهد متواصل، وتدريب عملى مستمر، كان من المفترض أن أدرس تخصص القلب والأوعية الدموية قبل إجازة نصف العام الماضية، الوقت المخصص لنا لدراسة ذلك التخصص ثلاثة أسابيع فقط!॥ ثلاثة أسابيع لدراسة أمراض الضغط، والذبحة الصدرية، وفشل القلب، وعمليات القسطرة، وتوسيع الشرايين وغيرها، أعرف أنكم لن تصدقونى إذا أخبرتكم بأنى لم أمسك بالسماعة حتى الآن لسماع دقات قلب مريض تخيلوا! المدة تشارف على الانتهاء وبعدها سأنهى علاقتى بذلك التخصص لأنتقل لتخصص آخر، وهو الجلدية فى ثلاثة أسابيع أخرى।
ما السبب فى ذلك؟ المحاضرات العملية المخصصة لنا للأسف بعد الثورة معظمها تحول إلى مناقشات سياسية، آخرها كانت أمس عندما أخذ الأستاذ يحادثنا عن قضايا الفساد، التى كانت ومازالت تحدث فى البلاد طيلة ما يقرب من ثلاث ساعات كاملة! ونحن كذلك - خاصة التابعين لأحزاب من زملائنا - كنا نفتح معه أبواباً مختلفة للحوار، فانتقلنا من ذلك إلى الدستور والاستفتاء والانتخابات المقبلة، وكأننا سكرنا بالسياسة فلم ندر بأنفسنا إلا بعد أن تخطينا الوقت المخصص للمحاضرة!!
تكرر ذلك الموقف فى أكثر من محاضرة سابقة عندما دخل علينا أحد الأساتذة ومعه حقيبة قال لنا إنها مملوءة بشكاوى قضايا الفساد، التى تعرض لها أثناء عمله، وإنه ذاهب بها للعميد، وأخذ يعرضها علينا، وكان متسرعاً جداً ومشتتاً أثناء الشرح، واعتذر عن عدم تطبيق الشرح العملى لنا، لانشغاله بتلك الأمور، وأيضا استحوذ على موضوع المحاضرة الحديث عن ملفات الفساد وأحوال البلاد، وانحصر الشرح فى ربع ساعة فقط، هو ما ناله الطلبة من معلومات دراسية!
عندما حادثت صديقاتى فى هذا الموضوع بعضهن وافقنى، لكنهن قلن لى: «هى بس الأيام دى علشان ظروف الثورة والأمور هتهدأ بعد كده وترجع لطبيعتها»، ولكن أنا لا أعتقد ذلك، تداعيات الثورة ستظل سنوات، وكل يوم هناك أمور جديدة تنشغل بها العقول، أنا لست ضد ذلك، أنا ضد تحويل دور العلم إلى مناقشات سياسية।
البلد مثلما يحتاج لسياسة سليمة كى يتقدم॥ فهو يحتاج أيضاً لعلم نافع.. لعقول مستنيرة.. ومثلما أخلصنا فى واجبنا السياسى أشد الإخلاص وما زلنا نخلص، لم يكن من المعقول أبداً ألاّ نخلص فى الواجب الأساسى، الذى كلفنا به، وهو العلم والدراسة.. فإلى متى سنظل هكذا؟ إلى أن يرسب الطالب هذا العام، وتكون حجته انشغاله أو انشغال أستاذه بالسياسة، هل من المعقول أن أتخرج كطبيبة، وعندما يأتى لى مريض أقول له: «معلش مش هقدر أكشف عليك أصل كنا مشغولين بالسياسة وما أخدناش المرض ده»।
أذكر ليلة انتصار الثورة يوم الحادى عشر من فبراير عندما أقسم الجميع فى كل بيت॥ القسم المصرى الشهير، وكان فيه «أقسم بالله العظيم أن أؤدى عملى بكل ضمير..»।